كصفحةٍ بيضاءَ يضعُ نفسَهُ أمامَ معلِّم العربيةِ للناطقينَ بغيرها حتَّى ينقش على صفحاتِه كلّ نفيس .
هذا الطَّالب المُقبِلُ على فهمِ لغةِ دينهِ – غالباً لا على سبيل الحصر- كيف يبرعُ هذا المرشدُ في عرضِ ثقافتهِ قبلَ علمهِ على طالبٍ قد لا يفقه شيئاً عن العربيةِ …
طالبٌ اتَّخذ هذا المعلم شخصيةً ممثلةً لحضارتهِ وبيئتهِ …
فقد يتأتَّى منه بدايةً الاهتمام بفنيّةِ اللِّقاءِ الأوَّل بينه وبين طلبته الذين مهما بلغوا علماً ونضجاً يبقون طلاباً أمامه
أضِف إلى ذلك براعة أسلوبهِ في إيصال المعلومةِ وخصوصاً أنه لا يوجد لغة وسيطة بينهما ..
ومعلومٌ أنه ليس كلّ ناطقٍ بالعربيةِ بمقدوره تعليم العربيَّة الأمر في الحقيقة أعقدُ من هذا بكثير

بعد الولوجِ في الساحةِ العمليةِ اقتطفنا بعضاً من الأساسيات المُتطلّب اتباعها مع طالب المبتدئ
بدايةً:
- التمهيد للغة :
بدءً من تخصيصِ مدةٍ من الزَّمن قبل الدخول في صلبِ المادةِ العلميةِ المقرَّرةِ ؛ للتعريفِ بهذهِ اللغةِ والتمهيد لها باستخدامِ الوسائلِ المتنوعةِ والمساعِدة ، وهذه باعتقادي أهم المراحل للمتلقِّي وهنا تظهرُ براعةُ المعلمِ وتفننه بطريقةِ عرضِ المعلومةِ وجعلها سهلةَ الوصولِ . ففي هذه المرحلة تتكوّن الفكرةُ الأولى عن اللغةِ .. ونقطة الانطلاق فإما أن يستمر المتعلمُ في الطريق المرسوم أو لا .
- الاعتمادُ على مناهج مساعدة لتقويةِ مخارج الحروف العربيَّة للمتعلِّم ومكتبتنا العربية فيها الكثير ومعلومٌ أنَّ صوتيات اللغةِ تبلغ أوجَ أهميتها في هذا المستوى . وكلُّه يحتاج إلى اجتهاد فلا يوجد منهج موحد معتمد في هذا الميدان .
- لا ضيرَ من إعدادِ منهج للاستماع خاصاً لكلِّ فئة حسب متطلباتهم مرتبطاً بالحياة العملية ، مع مراعاة التدرُّج في التقديم العلمي ليأخذ بيد الطالبِ إلى الهدف المطلوبِ . بعيداً عن قَولبَة عقلية الطالب بالمنهجِ المقرَّر من قِبَل المؤسَّسة التعليميَّة بل العمل على ربطِ المفيدِ من المنهجِ بالواقع العمليّ والمواقف الاتصاليَّة فلا منهجَ كامل يخدم العمل كليّاً ومسؤولية المعلم كبيرة في الجمع بين المادة العلميَّة والمتطلَّبات المرجوّة منه لإنتاج طالبٍ حصل على قدر لا بأسَ به من اللغة .
- تعليم أبناء غير الناطقينَ بالعربيةِ معلمين من أبناءِ لغتهم الأجنبية نفسها حتى يوفّر عناء البداية التي لا يخفى على ممارس المجال صعوبتها فيأخذ فكرة عن اللّغة العربيّة وقدراً لا بأس به من المفردات وبعدها يتّجه معه معلم العربية نحو الطريق الصحيح القويم.

- نحّي النحو :
ابتعاداً يأخذ بيد المتعلّم إلى برِّ الأمانِ المطلوب ضمن حاجته فتدريسُ القواعد النحوية لا يساعد على تحسينِ اللغةِ ..
هذا الكلام نَبع نتيجة تجربة ؛ حيث التقينَا بمعلماتٍ غير ناطقات بالعربية يفقهونَ قواعدها أكثر من أبناء اللغة نفسها ولا طاقةَ لهم بتكوين جملة تخرج من طالب المبتدئ الأدنى .. فحفظ المزيد من قواعدِ اللغةِ لا يعني بالضرورةِ التمكُّن منها ..
العبرة أولاً وأخيراً بالتطبيق والنهل من مصادرنا العربية الأصيلة لا الكتب المستحدثة الآن فحفظها في العقول لن يفيض علينا بالكلمات .
ثم ألا تلاحظ معي أن الكليَّات الأكاديمية الخاصة باللغات خرَّجت – وما زالت – طلاباً لا يطيقون فن الكتابة تعبيراً ولا فن الإلقاء محادثةً .
والمقررات من قواعد النحو والصرف أثقلت كاهِل الطالب وعلى الرغم من تذمّره المستمر منها فلا مجيب .
- ما كل متعلِّم مُحبّ للغة وأهلها :
- فترى فريقاً مُلزماً بالمنهج مكبّل بقيود المؤسسة التعليمية .
- وفريقاً آخر مقبل على اللغة ينهل الكثير بوقت يسير
فالنوايا مختلفة .. احترم رغبتهم ولا تقولِب عقولهم بما لديك بل اجعلهم ينهَلون الصحيح مما أرادوه .. وائم ووافق بين الفريقين .
صاحبُ الفكرِ لا ينضبُ نبعه..
الميدانُ التعليميُّ بحاجةٍ لمعلّم مبدع طوّرَ منظومته الفكريَّة بقدر يتناسبُ مع متطلّبات العمليَّة التعليميَّةِ
معلم جمع بين الشدّة واللِّين .. فللإنسان لحظات فتور، ويحتاج لشدّ عزيمة وتقويةِ أمل ..
معلم متَّبع لنهج قويم … فهو سفيرُ بلادهِ أمام هؤلاءِ المتعلّمين يظهر أمامهم أجمل ثقافة وأعرق حضارة .
لِنَقطفَ ثمراً زرعنَاه